Paranormal activity … بصمة فنية جديدة في عالم أفلام الرعب المعاصرة

Paranormal activity ... بصمة فنية جديدة في عالم أفلام الرعب المعاصرة

Paranormal activity ... بصمة فنية جديدة في عالم أفلام الرعب المعاصرة

بميزانية ضئيلة لا تتجاوز 15 ألف دولار أميركي فقط , تجاوز المخرج Oren Peli عقدة الخوف المتأصلة فيه من عالم الغيبيات , منجزا ً فيلمه الأول Paranormal activity عام 2007 ليتصدر به إيرادات شباك التذاكر في أميركا الشمالية بعد عامين , عقب الإطلاق الواسع له بالتعاون مع شركة Paramount Pictures العملاقة , ليدخل الفيلم التاريخ كواحد من أنجح أفلام السينما المستقلة بإجمالي أرباح تقارب ال200 مليون دولار أميركي .
يحكي الفيلم قصة شاب و فتاة ( Micah و Katie ) يقطنان معا ً و يعانيان من مشكلة شبح أو حضور غير بشري في منزلهما , و لذلك يلجأ Micah لشراء كاميرا متطورة بغية توثيق ما يجري في المنزل من أحداث مريبة و خاصة أثناء النوم في الليالي المعتمة , فتتوالى الأمور الخارقة للطبيعة على الثنائي العاجز أمام قوة مجهولة تطارد Katie منذ طفولتها على الأغلب , و تتفاقم الأمور شيئا ً فشيئا ً حتى تأخذ شكلا ً ماديا ً في نهاية المطاف عندما يتلبس الكائن المجهول جسد Katie و يقتل Micah في نهاية متغيرة تبعا ً للنسخة التي تشاهد من الفيلم , ففي النسخة الأصلية تأتي الشرطة و تقتل Katie رميا ً بالرصاص تزامنا ً مع مزيد من الأحداث الشيطانية في المنزل , بينما تتقاسم النسخ في دور السينما نهايتين متشابهتين تقريبا ً و فيهما إما تقتل Katie نفسها أمام الكاميرا أو تنتهي الحكاية دون مزيد من التفاصيل .
العبقرية في الفيلم تأتي من الطريقة التي نرى بها التفاصيل المتعددة عبر كاميرا Micah التي يوثق بها ما يجري في المكان , ما يضفى على الفيلم جوا ً هائلا ً من التوتر و المصداقية و كأننا نشاهد فيلما ً منزليا ً مصورا ً بكاميرا فيديو محمولة , و تزداد حدة التوتر مع عداد الوقت في أسفل الشاشة حيث يتم تسريعه لتحقيق قفزات زمنية في التسجيل و كأن أحدهم يمرر الفيلم بسرعة عبر الريموت كنترول للوصول إلى نقاط الحدث الأساسية .
و في هذا السياق , تبرز العفوية العالية في الفيلم , فالحوارات بين Micah و Katie شديدة البساطة و تنساب دون تكلف , و يعود ذلك أساسا ً لعدم وجود سيناريو دقيق يحكم عملية التصوير , حيث فضل المخرج Peli عند كتابته الفيلم إعطاء لمحة عامة عن كل مشهد بدل السيناريو التقليدي تاركا ً حرية واسعة في يد الممثلين الأساسين بغية إعطاء الفيلم بساطة و أصالة و مصداقية في وقت واحد .
يمكن اعتبار الفيلم دليلا ً على وجود عالم الغيبيات بكافة تفاصيله المتضاربة , فلا يناقش الفيلم في الأساس إمكانية وجود الكائن الشيطاني في المنزل بل يؤمن بذلك الوجود دون أدنى شك , و من هنا يأتي الصراع الفكري بين أفكار المشاهد المنطقية و الواقعية و ما يراه من أمور توازي الواقع بدرجة عالية , بشكل يوازي الصراع الكائن في الفيلم بين عجز البشر و جبروت الوجود الشيطاني الطاغي في المكان .
بناء على ذلك , يمجد الفيلم الضعف البشري و يطرح نظريات تتعلق بعدم الجدوى من المحاولة في وجه عالم الميتافيزيقيا , حيث تكمن القوى المحركة للوجود البشري الضعيف بدءا ً بالآلهة و الملائكة و القدر و انتهاء بالشيطان و الأشباح و الأرواح الشريرة .
لا تبدو الجوانب الفكرية شديدة الأهمية في الفيلم كونه في النهاية فيلم يتمحور حول قيمة التسلية و الترفيه , و في هذا الإطار يبدو الفيلم مذهلا ً ببعده الكبير عن أجواء الملل و الضجر الموجودة في أفلام الرعب التقليدية القائمة أساسا ً على المشاهد المقرفة و خليط الدم و الصرخات و الجنس دون مغزى واضح أو نهاية فعلية , حيث ينحى الفيلم باتجاه مغاير نحو بناء عالم داخل عالم , أي كاميرا داخل كاميرا إن صح التعبير .
تجدر الإشارة هنا إلى خلو الفيلم بالكامل من الموسيقا التصويرية و المؤثرات البصرية المبهرة , حيث تسود لحظات طويلة من الصمت أحيانا ً ما يوتر أعصاب المشاهد و يزيد من الضغط الموجود على كاهله بانتظار ما سيأتي من الظلام القريب منه , لحظات الصمت هذه رائعة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى خاصة عندما تأتي بعد صوت مريب فجأة من مكان ما خارج نطاق الكاميرا , بشكل يجعل المشاهد في حيرة توازي حيرة الشخصيات ما يفتح الباب أمام تحقيق درجة كبيرة من التفاعل و الاندماج مع القصة .
كما تلعب الإضاءة دورا ً حاسما ً في تعزيز الأجواء المرعبة على الفيلم , الظلام يغمر المنزل في الليل و الإضاءة الخافتة قريبة من الأزرق بشكل باهت , بينما يعتمد الفيلم على ضوء الكاميرا نفسه في كثير من المشاهد و كأنها آتية من مصباح محمول باليد , و في مثل هذه التفاصيل يتجه الفيلم نحو الابتكار و الحداثة بعيدا ً عن الابتذال و الحلول السينمائية الجاهزة و المعلبة .
Paranormal activity فيلم رائع , مرعب مخيف موتر للأعصاب إلى درجة عالية , حرفية رفيعة المستوى و طريقة سينمائية مبتكرة و أصيلة , و بصمة فنية جديدة في عالم أفلام الرعب المحتاجة دائما ً للتجديد و التطوير كي لا تغرق في النمطية كما حصل منتصف التسعينيات من القرن الماضي .
جدير بالذكر أن صالات السينما العالمية شهدت عامي 2010 و 2011 على التوالي إطلاق الجزئين الثاني و الثالث من الفيلم وسط نجاح كبير , حيث يرصدان تطور القصة عبر الزمن بالعودة إلى جذورها الأولى المسببة لكل ما جرى .

Like This!

About وليد بركسية

الكتابة هي قدري ... Writing is my destiny
هذا المنشور نشر في فقاعات سينمائية وكلماته الدلالية , , , , , , . حفظ الرابط الثابت.

4 Responses to Paranormal activity … بصمة فنية جديدة في عالم أفلام الرعب المعاصرة

  1. سلاف عين ملك كتب:

    فعلا فيلم اكثر من رائع ومن أجمل أفلام الرعب، لاعتماده أسلوب جديد يختلف عما اعتدناه، وما كتبته يؤكد على أهمية الفيلم لكونه يعبر عن رأي إنسان محترف.

    إعجاب

  2. Abdullah كتب:

    سلسلة رائعة بكل المقاييس.. من أجمل أفلام الرعب التي شاهدتها في حياتي.
    في قمة البساطة وبدون أي تكلف استطاع المخرج أن ينتج لنا تحفة فنية سينمائية تضاهي الأفلام التي كلفت الكثير من المال والجهد!
    من وجهة نظري, الجزئين الثاني والثالث أفضل بمراحل من الجزء الأول.
    أنتظر الجزء الرابع على أحر من الجمر!

    إعجاب

    • للأسف لم أشاهد الجزء الثالث بعد من السلسلة الرائعة … لكن أعتقد أن النمط المتبع في السلسلة هو الجميل و المميز , و سبب تفضيلي للجزء الأول هو أنه البداية و لعدم وجود شيء مماثل له من قبل ….
      شكراً لك على كافة تعليقاتك أسعدتني جداً

      إعجاب

رأيك يهمني ...