لم ألتق بك بعد

لم ألتق بك بعد

لم ألتق بك بعد

العفن يملأ كل شيء، طحلب البحر يتمدد داخلي بتموجات لا تدغدغ، لا أصلح لتشكيل سلطة بحرية طازجة منعشة مع السوشي، معدتي الحامضية تكوّن بيئة مثالية لنمو الأعشاب البحرية الرديئة فقط، ودمائي البنفسجية الداكنة أقرب للسموم الكبريتية منها إلى حمض الليمون أو النشادر الممزوج بحمض الستريك.
ألبس قميصاً أخضر بلون طحلب البحر القذر، أتمدد أفقياً بحثاً عن مضجع مريح، رائحتي تشبه الأبخرة المنبعثة من قدر يغلي فيه حساء كومبو لزج بعمر يومين وأربع ساعات، الدوار العنيف ينتقل كأشعة متعرجة من مقلتي عيني المطفأتين إلى الثريا المجعدة، النور الآتي من النافذتين المتضادتين يصطدم بلا فرقعة فوق رأسي دون أن ألاحظ أي تغيير، السرطان البحري الأحمر يقرقع بشدة في الوعاء المعدني، معدتي تنقلب رأساً على عقب.
أشتاق إلى الأسرّة، النوم على الأريكة دائماً مرهق كليال متتالية من الحرمان الجسدي. لا يمكنني التمدد سوى طولياً متوحداً مع النسيج القذر الذي تعاقبت عليه المؤخرات العارية والجلود المشعرة عبر السنين، الأغطية الإضافية تحجب البرودة ولا تمنع الاتصال الفيزيائي مع بقايا السكان السابقين على الأريكة أو البساط الأحمر ذي الثقوب المتعددة، الجوارب القطنية ليست مثيرة في ليالي الجنس المعدومة وغير نافعة ضد الاحتكاك بالسوائل البشرية المراقة على الأرضية تحت البساط.
أحن إلى الأسقف المرتفعة والملاءات النظيفة، الكهوف الصغيرة لا تناسب أهالي الأشجار، جذوري العتيقة الآتية من آلاف السنين تفضل الأراضي المنبسطة، جيناتي المتوارثة تخشى السقوط والموت تحطماً، ذكرياتي لا تتحول إلى أحلام براقة أو كوابيس مشوقة، التدلي من سرير معلق غير متأرجح يوصل الدم بكثافة إلى رأسي فقط ويمنعني من التفكير بالانتصاب الصباحي اليومي الذي لا يحدث.
أكره رائحة الغبار الواخزة في أنفي، الغبار أقوى من مزيج الكومبو والقيء في مجارير المدينة، أحب أن أجرب رائحة جبلية كالراتانج أو الصنوبر أو حتى الخزامى المبتذلة لمرة واحدة على سبيل التغيير، الغبار لا يرقص الفالس داخل أنفي خلال رحلته المحتومة للتزاوج مع الطحلب البحري العفن. الطحلب البحري يتابع التحرك دون أن يدغدغني كأن الأمر لا يعنيه، قلبي شبه المتوقف لا يصلح لإقامة مراسم الزفاف، لا أحد من المدعوين إلى الحفلة المهيبة يرتدي بزة رسمية سوداء، الأخضر الطحلبي كعلكة رخيصة غير لائق في مناسبات سعيدة كهذه.
طعم النحاس في حنجرتي يتحرك بشكل مقلق، ليس صدئاً ولا معدنياً بشكل بارد، يثير احتكاكه المستمر فوق بلعومي الجاف رغبة حادة في شرب مزيد من الأدوية الكيميائية المستوردة، الأعشاب الأرضية الرقيقة كالنعناع والبابونج غير نافعة في مواجهة الطحالب والكومبو والسوشي الشرسة، عيوني المحمرة لا تقاوم الأرق العنيف ليلة أخرى، الإرهاق يستشري في عضلاتي المترهلة دفعة واحدة دون حركات ارتدادية، الزحف نحو النافذة للصراخ زلق شبه مستحيل كزحف الديدان البيضاء الوديعة فوق الخيار البحري المخلل.
لو كنت مريضة لبقيت قربك أمسح جبينك بالمياه النقية الباردة التي تقطر من مكيف الهواء الرخيص المعطل في غرفتك، الحرارة هنا ترتفع بشكل متزايد مشكلة جداراً عازلاً بيني وبينك، حتى إن كنت معي في الغرفة المجاورة لن تتمكني من سماعي أناديك باستجداء مخجل، وحتى لو قبلتني من فمي بشراهة في الصباح لن أستيقظ من رقادي الأبدي، لستُ أميرة جميلة في حكاية ما قبل النوم كي توقظيني بقبلة حارة، الأمراء هناك دائماً شديدو العزم والبأس تبادر شفاههم الرطبة بالتقبيل دون مقابل، أنا واهن وحيد بعد مغامرة ليلية غير محسوبة العواقب في مطعم بحري مرموق يقدم لزبائنه الشرهين الطحالب النظيفة فقط.
في الصباح تزورينني بروتينية حمقاء، تقولين أن هناك شيئاً مختلفاً في مظهري، تفكرين بتسريحة شعر جديدة أو برداء النوم المثير الذي أرتديه ليخفي انتصابي اليومي، ولا تلاحظين الظلال الطحلبية الشاحبة التي تلون عيني البنيتين بالأخضر البراق، ولا تشمين رائحة الكومبو تنبعث من عرقي الطازج، أستحم بسرعة كي أبعد عن إبطي مزيج النشادر والستريك، تضحكين بعبث للمرة الأخيرة، لكنني لن أتركك تذهبين بسلام.
قبلة واحدة كافية كي تثير فيك كافة شهواتك الأرضية، شهواتي البحرية أقوى من هذا بكثير، عندما أمزج سوائلي بك ستعرفين عم أتحدث بالتحديد، لست بحاراً آتياً من بلاد بعيدة على طوف خشبي بجسد قوي متصلب وأسنان شديدة البياض، أنا مهاجر غير شرعي في بلاد كريهة، تحولي المثالي نحو رجل جذاب لم يتكمل بعد، السرطان الأحمر في القدر يتوقف عن الحركة مرة واحدة وإلى الأبد.
أفتح عيني وحيداً غارقاً عرقي البشري التافه، السقف الواطئ قريب أكثر من أي وقت مضى، الملاءات القديمة بحاجة للتغيير الفوري، لا أرتدي بيجامة مخططة واسعة ولا ملابس داخلية مثيرة، لا أحد في حياتي كي أثيره بألوان مطاطية ضيقة فوق فخذي، لا أتذكر شيئاً من ليلة الأمس سوى النوم باكراً مع حبوب الدواء قوية التأثير، لست مريضاً إلى حد السقم كما كنت أبغي، لكل مريض يد حنون ترعاه بطيبة قلب حتى أصحاب القلوب الشريرة وأعتى المجرمين، أريد أن أكلمك كي أدعوك إلى العشاء في مطعم بحري جديد في المدينة، أسرع إلى هاتفي البعيد قرب النافذة الوحيدة متعثراً متزحلقاً بسوائل بشرية لا أعرف ماهيتها، أطلب رقماً محدداً بلهفة وأنتظر، ثم أتذكر فجأة أنني لم ألتق بك بعد.

About وليد بركسية

الكتابة هي قدري ... Writing is my destiny
هذا المنشور نشر في فقاعات من نفخ الخيال وكلماته الدلالية , , , , , , , , , . حفظ الرابط الثابت.

رأيك يهمني ...