احتل فيلم No country for old men للأخوين Coen عام 2007 , المراتب الأولى في القوائم السينمائية المتخصصة بأفضل أفلام العام , ليحصد فيما بعد أربع أوسكارات رئيسية من الأكاديمية الأميركية للسينما , بينها جوائز أفضل فيلم و أفضل إخراج و أفضل ممثل في دور مساند للنجم الإسباني Javier Bardem , دون أن ننسى نجاحه الباهر في شباك التذاكر بإجمالي إيرادات يفوق 171 مليون دولار حول العالم .
يعود الفيلم إلى الغرب الأميركي المتوحش بداية ثمانينيات القرن المنصرم عبر حكاية مطاردة ثلاثية عنيفة و دموية , فأثناء تجواله في صحراء تكساس اللانهائية , يجد Llewellyn Moss ( يقوم بدوره Josh Brolin ) نفسه أمام عملية تهريب مخدرات فاشلة من المكسيك إلى الأراضي الأميركية , كثير من الجثث و الدماء و حقيبة تحوي مليوني دولار .
يهرب Llewellyn بالنقود مرسلا ً زوجته الساذجة إلى منزل أمها ليبعدها عن الخطر القادم لا محالة , إذ عرفت الجهات الإجرامية هويته بسهولة و أرسلت القاتل المأجور Anton Chigurh وراءه , لكن Chigurh ليس مجرما ً عاديا ً , إنه أخطر من وباء الطاعون , يظهر فجأة حاملا ً سلاحه الغريب ( أنبوب من الهواء المضغوط ) ليقتل كل من يصادفه بصمت و هدوء , قبل أن ينجح في قتل غريمه و الاستيلاء على النقود , متفوقا ً على الشرطي العجوز المحبط Ed Tom Bell ( يجسده النجم الكبير Tommy Lee Jones ) الذي يطارد الجميع دون رغبة حقيقية , مستسلما ً لشعور عام بالعجز أمام العنف المتزايد في الغرب الأميركي الذي خدمه بإخلاص كضابط شرطة طوال حياته .
يشكل الفيلم رؤية شديدة التشاؤم و السوداوية للعالم المحيط بنا , و يظهر ذلك بجلاء في عنوان الفيلم , حيث يرمز ” الرجال المسنون ” فيه إلى الأشخاص الطيبين من صميم قلوبهم و الذين أصبحوا نادرين مع مرور الأيام , و إن وجد أولئك فإن قوى الشر قادرة على سحقهم بسهولة , و لذا نراهم يغرقون في الإحباط و يحنون لأيام الماضي الجميلة عندما كانت الإنسانية صاحية في أرواح الناس بشكل عام .
و في هذا السياق , لا يجمع الفيلم بين الطيبين و الأشرار في لقطة واحدة معا ً , بل تميل اللقطات إلى إظهار كل شخصية على حدا , بتركيز شديد و فلسفة واضحة تقوم على العدمية و القوة كأساس لها , فلا مجال للحياد أبدا ً في قراراتنا و كل تفصيل نختاره يؤدي لنتيجة حتمية في سياق قدري دقيق جدا ً , و هنا نلاحظ أن كل شخصية في الفيلم تطارد شخصية أخرى و تتم مطاردتها بدورها في لعبة قط و فأر متعددة الأبعاد , و لا يسلم أحد من تبعات ما يجري حتى لو كانت المطاردة فكرية كزوجة Llewellyn التي يقتلها Chigurh في النهاية لأنه وعد زوجها بذلك في حال لم يرضخ له الأخير و يسلمه النقود دون تأخير .
توازيا ً مع ذلك , يبدو القدر حاضرا ً بقوة في سياق الأحداث , فالشخصيات تصنع قدرها بيديها دون أن تدري , و كل دقيقة تمر بحدث أو من دون حدث تؤدي لنتيجة ما , و يبدو القدر شديد الوضوح في لعبة رمي النقود التي يضعها Chigurh أمام بعض ضحاياه كفرصة أخيرة للنجاة من الموت المحتوم , إضافة لمشهد إصابة Chigurh بحادث السيارة المفاجئ في نهاية الأحداث , حيث تزول عنه الألوهية التي ظهر عليها طوال الفيلم و يبدو ضعيفا ً لدرجة أنه يستنجد بالمارة في الطريق و يأخذ قميص أحدهم في مشهد يذكرنا ب Llewellyn في وقت سابق من الفيلم , و نشعر أن Chigurh أصبح مطاردا ً بدوره سواء من رجال العصابات الذين لا يتورعون عن شيء أو من الشرطة التي تصل متأخرة بشكل دائم .
من جهة أخرى , قدم النجم الإسباني Javier Bardem أفضل أدواره على الإطلاق في تجسيده المذهل لشخصية Anton Chigurh , تحكم كامل في أدق التفاصيل و الحركات و اتحاد كامل بالشخصية إلى حد يثير الأعصاب و يوتر الأجواء , ابتسامته الصفراء توحي أنه مجنون بقوته و أنه يدري حقا ً مدى جنونه , بينما تلعب نظراته المستهترة بالعالم قاطبة دورا ً رئيسيا ً في تحريك مشاعر متناقضة لدى الجمهور , فلا تدري إن كنت تكرهه أم أنك معجب به , و تأتي التفاصيل الصغيرة في شخصيته لتقربه من الحقيقة قليلا ً و تنقله من عالم الورق إلى عالم اللحم و الدم , فهو يشمئز من منظر الدماء و يحرص على ألا تتلطخ أحذيته بها , و رغم ذلك لا يمكن تصنيفه ضمن الكائنات البشرية , فهو شر مطلق يجوب الأرض دون رادع , لا تعني له القوانين شيئا ً و لا يؤمن إلا بمبادئه الخاصة .
بناء على ما سبق , اعتمد الأخوان Coen على خصائص سينمائية معينة لإيصال الأفكار بسلاسة , فالقصة نفسها تحبس الأنفاس و لا تدع مجالا ً للهرب بطريقة هتشكوك في التشويق , بينما تأتي الإضاءة مظلمة و داكنة لإيقاظ أكثر الأفكار سوداوية في نفس المشاهد , و حتى في ضوء الشمس نلاحظ الغيوم السوداء تتقدم و تنشر ظلالها الداكنة في كل مكان بسرعة و شراسة , أما البيئة العامة للفيلم فتشكل تجسيدا ً مثاليا ً للغرب الأميركي بداية الثمانينيات بكل أجوائه و تفصيلاته الدقيقة .
جدير بالذكر أن الفيلم مقتبس عن رواية تحمل نفس الاسم للكاتب الأميركي Cormac McCarthy , و إن كانت النصوص الروائية تحفل بقدر كبير من الذاتية , فإن الفيلم يحافظ على هذه الخاصية و ينقلها للشاشة الكبيرة بأمانة , تاركا ً مساحة كبيرة أمام المشاهد للتحليل وفق رؤيته الخاصة و منظومة قيمه و معتقداته الشخصية .
No country for old men فيلم شديد الروعة و الإتقان , يحمل توقيع اسمين كبيرين في عالم صناعة الأفلام المعاصرة , و به أنهي تحليلي لقائمة ” أفضل 15 فيلما ً في القرن الحادي و العشرين ” كما وعدتكم من قبل .
فقاعات ملونة
- فقاعات من نفخ الخيال (35)
- فقاعات من شعري (36)
- فقاعات متعددة الألوان (17)
- فقاعات أدبية (16)
- فقاعات سينمائية (46)
- فقاعات شخصية (6)
- فقاعات صحافية (1)
-
آخر الفقاعات
فقاعات صديقة
أكثر الفقاعات مشاهدة
- الساعات ال12 الأخيرة من حياة السيد المسيح في The passion of the Christ
- Dogville فيلم غير تقليدي و رؤية سينمائية مثيرة للجدل
- أفضل 15 فيلما ً في العقد الأول من القرن الحادي و العشرين
- النفس البشرية أمام قسوة الحياة في Dancer in the dark
- قصص الحياة و الحلم و الإنسان بصبغة مأساوية في Million dollar baby
- No country for old men ... رؤية شديدة السوداوية لواقع الإنسانية المعاصر
- لماذا أكره الله
- Remember me ... شخصيات نابضة بالحياة و استدرار لا نهائي لعواطف الجمهور
- Sin city ... أجواء إخراجية غير مألوفة و إثارة لا تنتهي
- Finding Nemo ... آفاق جديدة أمام أفلام الرسوم المتحركة
فقاعة عشوائية
Google +
Twitter
Facebook
Follow us
فقاعات صابون على تويتر
بحث في الفقاعات
بين الفقاعات
- 2003
- 2004
- 2007
- 2009
- 2010
- 2011
- 2012
- Diane lane
- Julianne Moore
- Meryl Streep
- Nicole Kidman
- أغاثا كريستي
- أفلام أجنبية
- إرنست همنغواي
- الآلهة
- الألم
- الإنسان
- الانتظار
- الجريمة
- الجسد
- الحب
- الحرب
- الحرية
- الحلم
- الحياة
- الخلود
- الخوف
- الخيبة
- الدين
- الذكريات
- الرغبة
- الرومانسية
- الرياح
- الزمن
- السعادة
- السماء
- السياسة
- الشتاء
- الشر
- الشمس
- الشوارع
- الشيطان
- الظلام
- العائلة
- الفقر
- القدر
- القرن الحادي و العشرين
- القلب
- القمر
- الله
- الليل
- الماضي
- المطر
- الملل
- الموت
- الموسيقا
- الوحدة
- الولايات المتحدة
- باريس
- بريطانيا
- دمشق
- روايات
- روايات عالمية
- سوريا
- سيرينا ويليامز
- شعر
- فرنسا
- فيرجينيا وولف
- قصائد
- قصص قصيرة
- لندن
- مقالات
- مهرجان الأفلام الأوروبية
- مهرجان كان السينمائي
- نوال الزغبي
صدقت
إعجابإعجاب
أهلاً وسهلاً …
إعجابإعجاب
هل تعلم أنني أعتبر تدوينتك هذه مرجعا ً للفيلم, قراتها أكثر من 4 مرات … و اليوم شاهدت الفيلم و عدت لقراءتها مجددا ً ^_^
إعجابإعجاب
thank you for saying that … it’s really nice ^_^ you made my day
إعجابإعجاب
صدقني لست أجامل إنما أحدثك بما في قلبي , و في كل مرة يستوقفني حدثيك عن Javier Bardem
يعجبني جدا ً جدا ً ..
فقاعاتك السينمائية بمجملها مميزة ^_^
إعجابإعجاب
اي بعرف ما عم تجاملني .. ما في حدا بيجامل حدا بتعليق في مدونة … لو مو عاجبك النص لدرجة عالية ما كنت علقت ,… طبعاً بيشرفني تفاعلك اللطيف وشكراً للكلام الحلو ^_^
إعجابإعجاب
فيلم روعة ولكن شعرت ببعض الملل واستهلاك الوقت من توم لي جونز
إعجابإعجاب
بالعكس تومي لي جونز كان كتير ضروري لإعطاء التوازن في الفيلم وتقديم مقولة الفيلم أو الفكرة التي تتمحور حولها الأحداث ..
إعجابإعجاب