فئة من جماهير بايرن ميونيخ تكشف طبيعة المستوى المتراجع للحوار العربي المحترم

فئة من جماهير بايرن ميونيخ تكشف طبيعة المستوى المتراجع للحوار العربي المحترم

شهدت الأيام القليلة الفائتة لغطا ً كبيرا ً على صفحات موقع التواصل الاجتماعي الأشهر فيسبوك , إثر قرار محطة دبي الرياضية المفاجئ إعطاء أولوية البث لمباراة بروسيا دورتموند متصدر الدوري الألماني مع بروسيا مونشغلادباخ الثاني بدلا ً من مباراة بايرن ميونيخ مع غريمه التقليدي فيردر بريمن , ما أثار حفيظة عشاق الزعيم البافاري الذي يتمتع بجماهيرية ساحقة بين متتبعي الدوري الألماني على الأقل .
بررت القناة موقفها على لسان الإعلامي حسني الزغدودي الذي اعتبر القضية لا تتجاوز تصنيفا ً للأهمية يفرضه جدول الترتيب و مراكز الفرق المعنية بعيدا ً عن العواطف , و من هنا أتت الأهمية الاستثنائية لمباراة دورتموند مع غلادباخ حيث كان الفريقان يتقاسمان الصدارة قبل بداية المرحلة الخامسة عشرة من الدوري , بينما يقبع بايرن ميونيخ في المركز الثالث متخلفا ً عنهما بنقطة واحدة .
و مع ارتفاع أصوات الجماهير الغاضبة , قررت القناة بث مباراة البايرن على القمر الصناعي عربسات قليل الانتشار في المنطقة العربية , و بث مباراة المتصدرين على القمر الرئيسي نايلسات , و بدل أن يساعد هذا القرار في تهدئة الجماهير زاد في اشتعال غضبها , و دفع فئة شديدة التعصب منها إلى تبني لهجة وقحة وصلت حد السب و الشتم و التجريح القاسي بالمحطة و العاملين في فريق الدوري الألماني فيها , متناسين بشكل أو بآخر آداب الحوار و أصول التواصل الافتراضي و اعتبارات الأخلاق و اللياقة .
و على هذا الصعيد , لا تشكل الحالة المذكورة سوى مثال واحد على المستوى الذي يسود الحوارات المختلفة في الوطن العربي بشكل عام , بدءا ً من أبسط المسائل كمباراة رياضية و انتهاء بأعقد الأمور و أكثرها تعقيدا ً على المستوى السياسي , فما يعصف بالمنطقة العربية من ثورات افتراضية قسم الناس إلى تيارات شتى تتبادل الاتهامات فيما بينها , و أزال الستار عن حقيقة الركود الذي يغمر تفاصيل حياتنا , و بدل أن يساهم ذلك في خلق حالة من الحوار البناء أدى إلى إبراز المستوى الحقيقي لوعي المواطن العربي و تقبله للرأي الآخر .
ما يميز حالة الحوار العربي – العربي بشكل عام هو الطبيعة العدائية لكل طرف مهما كان , فتبرز سياسة الهجوم الإستباقي كنوع من الميكانيزمات الدفاعية الذاتية بناء على الخوف المختزن من الآخرين و الجهل الكامل بما يمثله الفكر الآخر على مختلف الأصعدة , إضافة لفكرة امتلاك الحقيقة التي تسود ثقافتنا المجتمعية عموما ً , حيث يزعم كل اتجاه فكري أو سياسي أو ديني … إلخ أنه الأفضل و الأكمل لسبب أو لآخر متناسيا ً أن الطبيعة البشرية شديدة التنوع و الاختلاف و أن ما يراه أحدهم صحيحا ً هو خطيئة بالنسبة للأخر و العكس صحيح , ما ينفي بصيغة قطعية وجود حقيقة واحدة يتفق عليها الجميع , و من هنا تأتي أهمية وجود مستوى ً معين ٍ للحوار بين أصحاب الآراء المختلفة بعيدا ً عن التشنج و الانفعال و توزيع الإهانات بشكل مجاني دون أي اعتبار .
استكمالا ً لما سبق , يمكن تفسير ما جرى في حادثة نقل مباراة بايرن ميونيخ , إلى نقص حاد في ثقافة الحوار لدى فئة من الجماهير , و إلى تشنج واضح و تصلب في إطلاق الأحكام الانفعالية نتيجة التعصب الشديد للنادي ما يعكس حالة تغييب العقل و المنطق في اتخاذ القرارات المتسرعة , خاصة أن الكلام على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي شديد السهولة مع عدم وجود ضوابط تحكم العملية قبل حدوثها , ليبقى العامل الذاتي أو الضمير الأخلاقي هو الفيصل في أمور كهذه , و لتعود العبارة الشهيرة ” كل إناء بما فيه ينضح ” إلى الواجهة من جديد .
في ذات السياق , يجب العمل على رفع مستوى الحوار و تقبل الفكر الآخر بين الناس في شتى المجالات , و التركيز على الأطفال بشكل خاص , و يتم ذلك بمجموعة طرق على رأسها الابتعاد عن ” وسائل التثقيف السريعة ” و في طليعتها التلفزيون بما تقدمه من ضحالة في المستوى الفكري قياسا ً إلى ما يجب بذله , و نشر ثقافة القراءة و تحديدا ً الأدب كونه يمثل جسرا ً للتواصل الإنساني بين مختلف التيارات الفكرية , حيث يبرز دوره بشكل كبير في إعطاء خلفيات معرفية و معنوية عن الآخر بعيدا ً عن الأسلوب الجاف و الجامد , و يقدم لمتلقيه حالة راقية من الحوار و المستوى الفكري , ما ينعكس عليه لاحقا ً على شكل رحابة في الصدر و انفتاح على حقيقة التنوع الهائل في الأفكار البشرية و الاعتقادات الأرضية .
إذا , لا تشكل قضية دبي الرياضية مع فئة متعصبة من جماهير بايرن ميونيخ مثالا ً عن مستوى الوعي العربي و تقبله للآخر فحسب , بل برهانا ً جديدا ً على الطبيعة الانفعالية العربية و تغييب العقل و المنطق و إطلاق الأحكام المتسرعة دون أي اعتبار , إضافة للمستوى الأخلاقي المتدني و المتمثل بعبارات السب و الشتم البشعة التي تتناقلها الألسن على الصفحات الافتراضية جنبا ً إلى جنب مع الحياة الواقعية , حيث يشكل كل من العالمين الافتراضي و الحقيقي مرآة تعكس العالم الآخر بشفافية إلى حد كبير , ما يثير القلق حول مستوى الأدب و التربية الذي يعتبر الأساس في تكوين شخصية متوازنة و بناءة .
جدير بالذكر , أن قنوات دبي الرياضية هي الناقل الحصري لمباريات الدوري الألماني في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا , حيث تبث أسبوعيا ً مجموعة من المباريات بشكل حي على أن تبث ما تبقى لاحقا ً في شكل إعادة , إضافة لمجموعة البرامج المتخصصة بالدوري الألماني من حيث التحليل و التقديم و التفاعل الجماهيري , دون أن ننسى سياسة المحطة البعيدة عن إجراءات التشفير المتبعة في القنوات العربية المنافسة , لتغدو بذلك القناة الرياضية الوحيدة التي تحترم حقوق المشاهد العربي الطبيعية المنصوص عليها في اللوائح العالمية بمهنية و موضوعية عاليتين .