Hugo … تحية حارة لرواد السينما الأوائل في قصة أسطورية تحبس الأنفاس

Hugo ... تحية حارة لرواد السينما الأوائل في قصة أسطورية تحبس الأنفاس

Hugo … تحية حارة لرواد السينما الأوائل في قصة أسطورية تحبس الأنفاس

أعود معكم قرائي الأعزاء مرة أخرى لاستعراض فيلم مميز من إنتاجات العام الماضي , و هو مزيج من الدراما و الخيال و الأحداث الواقعية بميزانية ضخمة جدا ً بلغت 170 مليون دولار , تحت إدارة المخرج الكبير Martin Scorsese الذي نجح في خلق توليفة بصرية مبهرة لقصة رائعة حملت في داخلها تحية كبيرة لأيام السينما الأولى و روادها الخالدين .
تدور القصة بشكل أساسي حول حياة Hugo Cabret الصبي اليتيم الوحيد الذي يحيا في محطة القطار بباريس , قاضيا ً وقته خلسة في إدارة ساعات المحطة و ضبط إيقاع الحياة فيها , و بين تصليح رجل آلي قديم تركه له والده قبل وفاته , على أمل أن يحمل له رسالة من أبيه ترشده في أيامه القادمة و تبعد عنه شبح الوحدة الذي يقض مضجعه , فيما يحصل على قوت يومه بسرقات خفيفة من هنا و هناك ملاحقا ً من شرطي المحطة وكلبه الشرس على الدوام , قبل أن يكشف أمره الأب Georges صاحب محل الدمى الميكانيكية في المحطة و يجبره على العمل لديه لتعويض السرقات التي كان يقوم بها .
وراء الأب Georges سر كبير لا أحد يدري به حتى ابنته بالتبني Isabelle التي تهوى القراءة و تتمنى أن تحيا مغامرتها الخاصة يوما ً ما , و تتحقق أمانيها بسرعة عندما تصبح صديقة Hugo الوحيدة في العالم , و تتعرف على حياته الغريبة وسط دخان محطة القطار و دقات الساعات المنتظمة من حوله , قبل أن ينجحا في كشف سر الأب Georges الذي كان قبل الحرب العالمية الأولى واحدا ً من أشهر صناع السينما في فرنسا , لكن الإفلاس و الحرب الطويلة جعلاه يبيعان كافة أفلامه الخمسمئة لأحد معامل المواد الكيميائية لاستعمالها في صناعة كعوب الأحذية النسائية , ما دفعه لحالة كبيرة من الاكتئاب معتقدا ً أن العالم خذله و نسي الفن الأصيل الذي ساهم في ابتكاره و تقديمه للعالم , لينجح الطفلان أخيرا ً في إخراجه من عزلته و إعادته لعالم الفن السابع من جديد , حيث استطاعت أكاديمية السينما الفرنسية عبر عملية بحث شاملة إيجاد ثمانين فيلما ً ناجيا ً للأب Georges الذي يتكفل برعاية Hugo في منزله عرفانا ً منه بالجميل , فيما توثق Isabelle الأحداث في روايتها الأولى .
بناء على هذا , يشكل الفيلم في الدرجة الأولى تحية لواحد من أهم صناع السينما الأوائل في بداية القرن العشرين و هو الفرنسي Georges Méliès , و إن دمجت قصته الحقيقية بكثير من الخيال , إلا أن ذلك أعطى الفيلم أبعادا ً إضافية , و استخدمت في الفيلم أفلام Méliès الحقيقية و أهمها Le voyage dans la lune ( رحلة إلى القمر ) الذي يعود لعام 1902 الذي يشكل نقطة عاطفية كبرى في الفيلم , لأن الأحداث تدور حوله فهو أول فيلم شاهده والد Hugo , و الفيلم الذي يرسم الرجل الآلي صورته بعد إصلاحه , و الفيلم الأول الذي تتم استعادته و عرضه في منزل الأب Georges وسط الدموع و الذكريات .
يرصد الفيلم بحساسية مرهفة عملية صناعة الأحلام في السينما منذ أيامها الأولى , و ذلك الشغف العميق للفن الجديد , و الإيمان بأهميته و خلود رواده عبر الزمن , و يقدم كل ما سبق في إطار شخصي عبر الذكريات و السحر و الدهشة و الإعجاز , ليترك المشاهد مأخوذا ً بذلك العالم الذي نشكل طرفا ً فيه بطريقة أو بأخرى , فإن لم نكن من صناع السينما فنحن نحيا في فضاءات ذلك العالم البراق الجميل و نتلقى كثيرا ً من الإلهام بفضله .
على صعيد آخر , يخترق Scorsese عوالم السينما العائلية , بفيلم مغامرات رفيع المستوى و بميزانية هائلة بتقنية ال 3D , و بمعطيات مثالية كهذه يبدو الفشل بعيدا ً جدا ً أمام مخرج بقيمة Scorsese و تاريخه الطويل , فيخلق لنا على الشاشة عالما ً من الإبهار البصري , و تبدو باريس في العشرينيات مكانا ً ساحرا ً متلألئا ً يتفوق على الواقع ربما , و يبدو الإبداع منذ اللحظات الأولى للفيلم مع مشهد تمتزج فيه باريس بساعة ميكانيكية عملاقة و كأنهما انعكاس للحياة حيث لا مكان للقطع الزائدة و لكل دوره في عالم لا يتوقف عن الدوران .
و في ذات السياق , يحبس الفيلم الأنفاس بكل ما تحمله الكلمة من معنى , الصراع مشتد على أوجه في الفيلم و على مستويات متعددة , و الغموض يكتنف الأسرار التي لا يباح بها حتى اللحظات الأخيرة , و الشخصيات شديدة الواقعية و القرب ما يخلق رباطا ً وثيقا ً بينها و بين المشاهد و يترك مجالا ً واسعا ً للاندماج مع الأحداث , إضافة للأبعاد العاطفية و النفسية العميقة التي تهز عوالم الشخصيات و تدفعها للخوض في الحياة هربا ً من الوحدة الخانقة و بحثا ً عن دفء العائلة و الحب , و هذا كله يحسب للسيناريو المتقن المقتبس من رواية The Invention of Hugo Cabret للكاتب الأميركي Brian Selznick .
استكمالا ً للعناصر الإبداعية في الفيلم , يبدو الممثلون في أعلى مستوى ً و يتألق الصغيران Asa Butterfield و Chloë Grace Moretz في دوري Hugo و Isabelle على التوالي , و يظهر الممثل Ben Kingsley بأداء كبير في شخصية الأب Georges بكل انكساراته النفسية و تبعاتها , و يضاهيه في الإبداع Sacha Baron Cohen كمفتش المحطة القاسي بشاربه الفرنسي الرفيع و قدمه المصابة في الحرب , إضافة لعدد كبير من الممثلين من جنسيات متعددة , و يشهد الفيلم إطلالة صغيرة للنجم المميز Jude Law كوالد Hugo المتوفى .
في ضوء ما سبق , تربع Hugo على عرش ترشيحات الأوسكار 2012 بأحد عشر ترشيحا ً ثمينا ً بينها فئات أفضل فيلم و أفضل مخرج و أفضل سيناريو , و نال خمسة منها على الجوانب التقنية أبرزها في فئات أفضل سينيموغرافية و أفضل مؤثرات بصرية و صوتية , فيما حصد Scorsese على ال Golden Globe كأفضل مخرج , إضافة لعدد هائل جدا ً من الترشيحات و الجوائز في عدد كبير من المهرجانات و الاحتفاليات السينمائية , دون أن ننسى تصدره قوائم أفضل الأفلام في كبرى وسائل الإعلام العالمية كنيويورك تايمز الأميركية و الأوبسيرفر البريطانية و مجلة التايم الشهيرة على سبيل المثال .
جدير بالذكر أن الفيلم حظي بنجاح رائع في شباك التذاكر العالمي , و على صفحات النقد المتخصصة على حد سواء , و شكل حديثا ً مثيرا ً للجدل بكل ما يحمله من أفكار عميقة مزجت الواقع بالخيال في قصة أسطورية ساحرة , ما دفع المخرج الكبير James Cameron صاحب أنجح فيلمين في تاريخ السينما Titanic و Avatar إلى وصفه بالتحفة السينمائية , و اعتباره أفضل فيلم بتقنية 3D على الإطلاق , و هو دليل آخر على قيمة الفيلم الذي أدعوكم في النهاية لمشاهدته دون تردد .

Like This!

About وليد بركسية

الكتابة هي قدري ... Writing is my destiny
هذا المنشور نشر في فقاعات سينمائية وكلماته الدلالية , , , , , , , , , . حفظ الرابط الثابت.

6 Responses to Hugo … تحية حارة لرواد السينما الأوائل في قصة أسطورية تحبس الأنفاس

  1. Mohammad Adnan Dawood كتب:

    nicely reviewed. well done dear

    إعجاب

  2. قلم جميل و سرد رائع و عرض خطوط عامة للفيلم بشكل بارع…
    تحية لك يا صديقي و شكرا جزيلا على النقد السينمائي

    إعجاب

  3. mode كتب:

    اجمل طريقة لسرد ماضي السنيما وكيف قبل ماتكون موجودة وبداية صنع الكاميرات
    رااائع جدا مسلي المؤثرات والاخراج كانت قمه حتى انك تحس انك ببتفرج على انيميشن يعني بنضري مافي فيلم ممكن يتكلم عن ماضي الافلام وكيف بدت وسينما افضل من هذا الفيلم

    إعجاب

رأيك يهمني ...