آني المراعي الخضراء … لأن الحياة لا تخلو من المنعطفات المفاجئة

Anne of Green Gables

Anne of Green Gables

يصنفها بعض النقاد على أنها رواية موجهة للأطفال أو اليافعين , لكن ذلك لم يمنع رواية ” آني المراعي الخضراء Anne of Green Gables ” من التربع على عرش قلوب المحبين للقراءة في أنحاء العالم , لتدخل قوائم الكتب الكلاسيكية التي يجب على كل فرد قراءتها قبل وفاته .
تحكي الرواية قصة فتاة استثنائية يتيمة ( آني شيرلي ) عانت طوال حياتها من القسوة و حرمت من الحب و الحنان دون أن يؤثر ذلك على روحها الطيبة , قبل أن يقودها قدرها عبر خطأ فادح للعيش مع أخوين عجوزين ( ماريلا و ماثيو غوثبرت ) في بيتهما المنعزل الجميل الذي يدعى المراعي الخضراء , لتبدأ بذلك شق طريقها في الحياة بنفس مليئة بالطموحات و الأحلام و الرومانسية .
تتميز آني صاحبة الشعر الأحمر و النمش بأحلام اليقظة التي توقعها دائما ً في أخطاء مضحكة أثناء تأديتها لواجباتها المنزلية , إضافة للسانها الذي لا يتوقف عن الثرثرة الساحرة بأفكار غير تقليدية على الإطلاق نتيجة المخيلة الخصبة التي تمتلكها , ما يجعل منها فتاة محبوبة و غريبة الأطوار نوعا ً ما كونها تنفذ كل ما يخطر على بالها دون تفكير .
بمزيج ساحر من الفكاهة و الرومانسية تبني الكاتبة الكندية Lucy Maud Montgomery أحداث روايتها , عبر علاقات آني المتشابكة و أحلامها التي تتطور و لا تنتهي حتى تنال في نهاية القصة منحة كبيرة لدراسة الأدب في الجامعة , لكنها تتخلى عنها في سبيل الحفاظ على المراعي الخضراء إثر وفاة ماثيو المفاجئة و اقتراب ماريلا من الإصابة بالعمى , و لا يفهم الناس قرار آني و يتهمونها بالغباء دون أن يدركوا الحب الذي تحمله في قلبها للبيت الذي تنتمي إليه و الوفاء الذي تكنه لعائلتها ( ماريلا و ماثيو ) .
من جهة أخرى , تبدو الرواية كلاسيكية في السرد , لكنها مع ذلك تقدم مستوى ً لغويا ً رفيعا ً يرتقي بها إلى مرحلة الإدهاش و الإبهار , إضافة للتشويق و المتعة التي تقدمها سطرا ً إثر سطر , ما يجعل القارئ متحمسا ً لإنهاء الصفحات ممضيا ً ساعات كثيرة مع الكتاب دون أن يشعر بمرور الوقت , خاصة أن المواقف التي تتعرض لها آني غريبة جدا ً و توازي أفكارها التي تتدفق من عالم آخر مليء بالبراءة و المنطق و البساطة في وقت واحد .
توازيا ً مع ذلك , تطرح الرواية بين سطورها كمية هائلة من المشاعر المتدفقة مع الأفكار المختلفة , ما يدفع القارئ إلى الضحك من أعماق قلبه في أماكن كثيرة , و ربما يذرف الدموع في أماكن أخرى , و في كلتا الحالتين يبقى محتفظا ً بابتسامة حقيقية على شفتيه , و مع نهاية الرواية تصبح آني جزءا ً من وجدانه و نسيجه العاطفي و كأنه يعرفها شخصيا ً , و يستطيع سماع صوتها و ضحكاتها و أفكارها الغريبة كأنها تحيا داخله أو كأنها الرمز الموازي لطفولته البعيدة التي يريد استعادتها بشكل أو بآخر .
تعتبر شخصية آني واحدة من أشهر الشخصيات في تاريخ الأدب الكندي , و تحولت مع مرور الأيام إلى رمز لهذا البلد , إذ استمدت الكاتبة الأحداث في الدرجة الأولى من الطبيعة الساحرة التي تتمتع بها جزيرة الأمير إدوارد الكندية التي تدور الرواية في ربوعها , لتصبح الجزيرة معلما ً سياحيا ً شهيرا ً يقصده الناس من شتى أنحاء العالم ليروا بأعينهم المكان الذي عاشت فيه شخصيتهم الافتراضية المفضلة .
و تجدر الإشارة هنا إلى النجاح الكبير الذي حققته الشخصية و الحب الذي حظيت به , ما دفع الكاتبة بناء على طلب القراء إلى إكمال قصة حياتها في رواياتها اللاحقة و منها Anne of Avonlea و Anne of the island , إضافة لتشكيلها مصدر إلهام للعديد من الكتاب المعاصرين و منهم Budge Wilson الذي رصد حياة آني قبل قدومها إلى المراعي الخضراء في روايته Before Green Gables عام 2008 .
في سياق متصل , تبدو شخصية آني أسلوبا ً اتبعته الكاتبة لنقد المجتمع و عاداته المختلفة على لسان طفلة صغيرة جريئة لها أفكارها الخاصة عن الحياة , لتنجح في تغيير الناس من حولها دون أن تدري أو دون أن تقصد حتى , كونها تلفت انتباههم للأشياء التي يغفلون عنها مع انشغالهم الدائم بالحياة و متاعبها السخيفة التي لا تنتهي .
بناء على ذلك , يمكن اعتبار الرواية تمجيدا ً للرومانسية بكل ما تحمله من معان , و تقديسا ً للجمال و الطبيعة , و نبذا ً للمادية التي تشوب الحياة الإنسانية و خاصة في المدن الكبيرة , و نداء ً للعودة إلى بساطتنا و طيبتنا , دون أن ينفي ذلك حقيقة الواقع القاسي الذي يحيط بنا بكل شروره و بؤسه , لتغدو الرواية في مجملها نظرة تفاؤلية نحو عالم أفضل و إنسان أرقى و حياة أجمل .
Anne of Green Gables واحدة من رواياتي المفضلة , قرأتها مرات و مرات مندهشا ً من روعة التفاصيل الدقيقة و مأخوذا ً بسحر الكلمات الجميلة , ضحكت و بكيت معها و لم أشعر بين سطورها بالملل , إنها بحق رواية شديدة الإتقان و تحفة لا يمكن تجاهلها .
جدير بالذكر أن الرواية صدرت أول مرة عام 1908 و حققت لصاحبتها شهرة منقطعة النظير حيث باعت حتى اليوم ما يفوق الخمسين مليون نسخة , إضافة لاقتباسها في عدد كبير من الأفلام السينمائية و الأعمال الدرامية و الكرتونية , لتصبح عن جدارة واحدة من أشهر الروايات في القرن العشرين و رمزاً أدبيا ً مميزا ً يجب على كل شخص الإطلاع عليه .

Like This!

About وليد بركسية

الكتابة هي قدري ... Writing is my destiny
هذا المنشور نشر في فقاعات أدبية وكلماته الدلالية , , , , , , , , . حفظ الرابط الثابت.

10 Responses to آني المراعي الخضراء … لأن الحياة لا تخلو من المنعطفات المفاجئة

  1. أحمد إبراهيم كتب:

    كلنا آني (ولكن من دون المراعي الخضراء)

    إعجاب

  2. Mohammad Adnan Dawood كتب:

    i am gonna read it as soon as possible. you are a brilliant reader

    إعجاب

  3. ali isk كتب:

    بتحب تلهيني 🙂 بس رائعة الكتابة

    إعجاب

  4. عرفان دويدري كتب:

    استمتعت بقراءة الرواية واسلوب الكاتبة لوسي البسيط وشخصية ان النقية والمحبة وفعلا حصلت على التخيلات الرائعة للطبيعة وحالات الحزن والفرح التي عاشتها

    عرفان دويدري

    إعجاب

  5. شكرا جزيلا لك على اختصارك المشوق للرواية والاسلوب الراقي الذي حببني كثيرا لها واتمنى لو كانت هناك نسخة مترجمة للعربية لقراءتها كاملة، لأن الفيل
    م الذي شاهدته يختصر الرواية جدا
    فارجو منك تنزيل رابط للكتاب بالعربية ولك الشكر اجزله

    إعجاب

رأيك يهمني ...