عزيزي جورج وسوف … اعتزل أرجوك

عزيزي جورج وسوف … اعتزل أرجوك

يشكل جورج وسوف بتاريخه الطويل , حالة فنية شديدة الخصوصية و ظاهرة مثيرة للجدل بما تحمله من تناقضات عبر الزمن , فبعد البداية الأسطورية في سنوات الطفولة المبكرة , تدرج الطفل المعجزة على سلم النجاح و الشهرة بسرعة قياسية بلغت حد الهوس به مع إطلاق أغنياته الخاصة منتصف الثمانينات , ليصبح فيما بعد سلطان الطرب كما يسميه عشاقه المنتشرون في كل مكان .
لكن مع مرور الأيام , بدأ الصوت الذهبي يختلف و يتغير , و بدأت المشاكل تظهر على أداء الأسطورة الحية بتأثير المشروبات الكحولية و التدخين حيث عاش وسوف حياة الليل و السهر منذ نعومة أظفاره , ليصبح صوته للأسف مزيجا ً من الغرغرة و الخشونة وصولا ً للحشرجة القاسية ما يشكل مزيجا ً صوتيا ً مزعجا ً و مرهقا ً للأعصاب .
لم يعد صاحب أغنيتي حلف القمر و روحي يا نسمة يغني كما كان , لكن ذلك لم يؤثر على شعبيته و نجوميته , و ربما يعود ذلك للتعصب الذي يطبع العلاقات العربية بشكل عام و إلى عدم اهتمام عشاق سلطان الطرب بما يقدمه من أداء صوتي أمام المستوى العالي في الكلمات و الألحان , إضافة لابتعاد الإعلام عن انتقاد وسوف و الاكتفاء تقدير تاريخه الطويل و تمجيده بكلمات رنانة مبالغ فيها .
و هكذا تحول جورج وسوف بنسخته الجديدة المشوهة إلى مدرسة فنية كاملة و امتلأت الساحة الفنية بعدد كبير من المتشبهين بوسوف من حيث الصوت و طريقة الأداء البالية و الألحان و التوزيعات المكررة , كأننا بحاجة لمن يذكرنا كل دقيقة بخيبة الأمل عندما فقد سلطان الطرب تاجه و مميزاته الصوتية المذهلة و الفريدة .
مؤخرا ً , أطلق جورج وسوف أغنية جديدة بعنوان بيحسدوني و بمقارنة بسيطة بين صوته فيها و صوته في حلف القمر نجد اختلافا ً شاسعا ً و مخيفا ً يدفعنا لعدم تصديق أن الأغنيتين تعودان لمطرب واحد , و رغم رداءة الصوت انتشرت الأغنية و حققت نجاحا ً كبيرا ً ما يضعنا أمام أسئلة تتعلق برؤية الجمهور لما هو جيد و ما هو سيئ , و هل رداءة الأغاني التي تطرحها الساحة الفنية على صعيد الكلمات و الألحان هي السبب الرئيسي في نجاح أغاني وسوف الحريص دائما ً على اختيار الكلمات و الألحان بدقة و عناية , أم أن السبب لا يتعدى التعصب الأعمى لشخص وسوف بغض النظر عن جودة ما يقدمه .
حالة جورج وسوف نادرة جدا ً و لا نلاحظها في العالم الغربي المتفوق موسيقيا ً و حضاريا ً , فالنجمة الكبيرة Whitney Houston التي وصفتها الولايات المتحدة أواخر التسعينيات بالكنز الوطني , عادت عام 2009 بعد سبع سنوات من الاعتزال نتيجة الإدمان على المخدرات بألبوم I look to you الذي تصدر المبيعات العالمية و حقق نجاحات كبيرة , إلا أن حفلاتها الحية شهدت إخفاقا ً ذريعا ً نتيجة الصوت البائس الذي أطلت به Houston على جمهورها الغفير في مسارح أوروبا و أميركا ما دفع جمهورها في الدنمارك على سبيل المثال لرميها بالبيض و البندورة و المغادرة بغضب و حسرة , لتنقطع Houston عن الغناء الحي بانتظار عودة صوتها إلى مستواه المعهود أو ما يقاربه على أقل تقدير .
توازيا ً مع ذلك , لا أعتقد أن جورج وسوف بكل ما يمثله من نجاحات يداني Whitney Houston أو يقاربها في الأهمية الفنية , لكن جمهوره يصر على إعطائه مكانة لا يستحقها قياسا ً لما يقدمه في الوقت الراهن , و هنا يجب على جمهور سلطان الطرب التخلي عن قليل من كبريائهم , و الاعتراف بحقيقة المستوى الرديء لصوت وسوف و الذي يشكل إساءة لتاريخه الطويل و للفن العربي عموما ً .
جورج وسوف حالة شديدة الحساسية , لا كلمات تصف التناقض الهائل بين قديمه و جديده , أو بين مستواه الحالي المتدهور و نجاحاته الكبيرة المدوية , ليصبح وسوف بطريقة فلسفية قليلا ً وجها ً مثاليا ً يعكس الطبيعة العربية المثيرة للتساؤل و الشفقة و الحيرة بامتياز .
بناء على كل ما سبق , أدعو جورج وسوف من كل قلبي إلى اعتزال الفن نهائيا ً , فصوته الحالي يمحو تدريجيا ً صوته الذهبي من ذكريات عشاقه , و أداؤه لم يعد مواكبا ً لروح العصر , و بطريقة ما فقد السحر الذي كان يلقيه على الناس مع كل إطلالة جديدة .