الليلة يكتمل القمر

الليلة يكتمل القمر

الليلة يكتمل القمر

الليلة يكتمل القمر, تضيء عيناي في محجريهما بالأحمر القاني, يزداد شعري المثير كثافة, يتصلب صدري كسفرجلة ناضجة, ينضح جسدي عرقاً طيب الرائحة, ويقطر لعابي على الوسادة قبل أن أصحو هائج الدماء.
الليلة يكتمل القمر, صرير أسناني يوقظ الجيران الكسالى, طرقات أصابعي على الطاولة تبعد طيور الليل البشعة عن نافذتي, زفرات الهواء من أنفي المسدود تصفر كريح جبلية هاربة من غيمة مكهربة, ودمي يموج بين نقطتين منخفضتين كسائل وردي في قعر كأس متطاولة.

الليلة يكتمل القمر, نور رمادي ينصب فوق السرير, إله شبق يحول تلسكوبه نحوي, عيون مارقة في الظلام تتحاشى الاصطدام بي, وخمسة عشر قبلة تتهاوى ببطء مثلما تساقطت شواهد القبور الملعونة أبداً في أرض كنعان البائدة.
الليلة يكتمل القمر, تطفأ أنوار الشوارع باكراً, أخلع ثيابي في عجلة خرقاء, أندس برفق تحت أغطية سرير عتيق, برودة الشتاء تنخر عظامي مبكراً, إنه الصيف الذي لا يأتي منتصف الشهر, مروحة السقف تدور كخيالاتك العارية في رأسي.
الليلة يكتمل القمر, ككل ليلة لا تأتين, أنكمش حول ذاتي بتحد سافر, شفتاي المرتعشتان تقبلان بعضهما بنهم, ذراعاي العاريتان تحضنان الغبار المنهك من الرقص مع الشمس طوال النهار, وغطاء سميك يحجب بقية جسدي عن تلسكوب الآلهة.
الليلة يكتمل القمر, تأوهاتي الذئبية تملأ أرصفة المدينة أو ما تبقى منها, ضباب أفكاري ينتشر تحت الشرفات الواطئة ليكدر الأحلام البريئة, خطوات أقدامك تتحرك فقط نحو الوراء, شعر صدري يتساقط على الأرض كنيازك من عيدان الكبريت, نور القمر يقطر على رأسي كليمونة خضراء, وعرقي المنساب من إبطي ليس سوى مزيج القرفة والمستكة الذي شربناه قبل سنوات معاً في ليلة اكتمل فيها القمر.
الليلة يكتمل القمر, لكنك لا تأتين, أشعر بك تراقبينني من مكان ما خلف العوالم, نظراتك تتسرب من تلسكوب الآلهة أيضاً بحقد أو ربما بحب, أمد لك لساني باستهتار وأسدل الستائر عنوة, المادة أقوى من التلسكوب دون شك, لست إلهة استثنائية لتخترقي النسيج القطني المهترئ بعينين ذابلتين, ما أنت إلا روح هاربة من قدرها المشؤوم – أي أنا- ولست أحمق لأسمح لك بالعودة إلي من باب موارب وراء قبر مفتوح في حديقتي الخلفية.
الليلة يكتمل القمر, قطرات الدم تملأ السرير, لا أدري ماذا فعلنا بالضبط, تأوهاتي الشهوانية ملأت المكان, تأهواتك لم تخرج من فمك المغلق بأصابعي, هبطت فوقك كأجمة واخزة إلى الأبد, ملأت بشرتك بعبق وبرق ونسائم مخاتلة, وعندما انتهى كل شيء كانت عيناك تغيبان من فرط اللذة أو من هول الفاجعة.
الليلة يكتمل القمر, أخرج من مستنقع ذكرياتك العفن نحو ما هو جديد, أنوار المدينة تنبلج بسخاء أمام قدمي, يبتعد القمر بضعف متوقع وراء غيوم مستكينة, وتلمع أنيابي في الظلام وأنا أدير وجهي, نحو صورتك الباهتة على المنضدة الصغيرة قرب السرير, لأغلق الباب.

Like This!

About وليد بركسية

الكتابة هي قدري ... Writing is my destiny
هذا المنشور نشر في فقاعات من نفخ الخيال وكلماته الدلالية , , , , , , , . حفظ الرابط الثابت.

رأيك يهمني ...