وحدها الشمس تعرف الحقيقة

وحدها الشمس تعرف الحقيقة

الشمس مثيرة للشفقة .. ربما لذلك السبب أحبها, لأنها بائسة مزرية كقضية خاسرة حتماً .. لا تحاول الشمس الشروق, هي لا تحمل مصيرها بيديها, هي فقط تشرق بتكرار عبثي روتيني دون رغبة, في الحقيقة لو أرادت أن تتمرد ذات يوم بألا تشرق فلن تستطيع ذلك أيضاً .. أشعتها الباهتة أبداً توحي بذلك في أيام الشتاء اللعينة على الأقل, ستستمر في الشروق رغماً عنها إلى أن يجف فيها الهيدروجين والهليوم وبقية الغازات الغريبة الموجودة هناك, لا أدري إن كانت الغازات تجف أم أنها تتبخر, من يهتم بذلك؟ لا فرق على الإطلاق.
الشمس لا تمتلك روحاً, إنها مثلي تماماً, جامدة إلى حد الذبول, قاسية إلى حد مثير للإعجاب, متوهجة لتداري حقيقة خوائها عن فضول الآخرين .. إنك لا تعرفين ذلك بعد للأسف لكنك ستختبرينه حتماً على السرير حينما أنجح بجرفك نحو رغباتي المسعورة, لا روح لي ولا روح للشمس, لسنا أرواحاً خالدة كالآلهة قطعاً, الإله روح خالدة مدى الدهر, الإله مجرد شبح, نحن مجرد جمادات.
الشمس التي لا تمتلك روحاً تستعر من داخلها بالغضب أحياناً, لكنها لا تستطيع فعل شيء تجاه ذلك, مدارها حول مركز المجرة يقيدها ببطء إلى جدران زلقة رطبة غير مرئية من الجنون, الموجات الكهرطيسية مجرد تنفيس عن رغباتها الداخلية في الانفجار, لا تدري من يدخل تلك الإبر الدقيقة في كيانها لتفريغ تلك الطاقات, لو عرفته لصبت حتماً جام غضبها عليه, لا تدري بالضبط ماذا كانت ستفعل به لكنها بكل تأكيد لن تتركه ينجو بفعلته القذرة, الإبر لا تثير النشوة ولا تدغدغ .. إنها تؤلم فقط .. لحسن حظك أن غضبي ليس عنيفاً كغضب الشمس, لسوء حظ الشمس أنها لا تستطيع ممارسة المثلية الجنسية مع نجمة أخرى.
تود الشمس أن تخرج في نزهة من حين إلى آخر, أن تأخذ إجازة من الشروق الإجباري, أن تلبس فستاناً أسود قصيراً من تصميم شانيل في المساء بدل ثوبها الأحمر الممزق القديم .. أن تقطف بعض الغبار الكوني الشبيه بالزهور لترميه سراً حول القمر المتعجرف الذي يسرق وهجها دون استئذان, القمر حتماً مصاب بالحساسية من الغبار الكوني ورائحة الزهور ووبر القطط لذلك هو شاحب أبداً كوجوه الموتى.
لا تمتلك الشمس أي ذكريات, هي لم تكن طفلة طوال حياتها المديدة, أما أنا فذكرياتي طويلة بظلال داكنة على الأسرة التي عثت فيها فساداً لذيذاً وبظلال ملونة في زوايا الطرقات التي ينحسر عنها نور الشمس أو نور الشمس المنعكس عبر القمر, لا نتواجد في عالم مثالي لذلك لست نسخة كربونية عن الشمس .. لو كنت كذلك لشعرت الشمس المسكينة بمزيد من الحنق ولوجهت نحوي مزيجاً قاتلاً من الأشعة غير المعروفة, فقط لتبقى فريدة من نوعها, ولأردت فعل ذلك لها بالمقابل, رغم عجزي البشري الأحمق عن إصدار الأشعة من عيوني التي تلمع في الظلام كالزجاج الملون تحت الشمس.
شر تحت الشمس, هكذا تكتب أغاثا كريستي, الشمس هي الشر بحد ذاته لو امتلكت بعض الوقت وبعض الأيدي وبعض الحركة الحرة, الحنان الذي تتغلف به الشمس في الدفء الذي تنشره للعالم يشبه الحنان الذي أتغلف به كي أجذب النساء الجميلات نحوي, غاياتنا مختلفة حتماً لكن أسلوبنا واحد, أنا كأي رجل أريد الجنس وهي كأية حمقاء تريد إخفاء الشر المستطير في داخلها بانتظار الوقت المناسب للبوح بالحقيقة, لا يطول وقت إعلان حقيقتي طويلاً لأني بارع أكره الانتظار, بينما سيطول وقت حقيقة الشمس قروناً أخرى لأنها بلهاء مترددة لا تدري كيف تخرج عن مدارها المرسوم حول مركز المجرة.
الشمس عرفتني بك أيضاً, طبعاً أنت لا تعرفين ذلك, رأيتك أول مرة وأنت تسمرين بشرتك تحت أشعة شمس الظهيرة على سطح منزلك, أجل أنا رجل دنيء أراقب جاراتي الجميلات من خلف زجاج النوافذ, لم أتردد في ملاحقتك تحت أشعة الشمس فيما بعد كي أضرب معك موعداً عن طريق الصدفة, وحدها الشمس تعرف الحقيقة, وحدها الشمس لا يمكنها الكلام, وحدها الشمس تعرف كل الأسرار الكبرى.
أمددك عارية أمامي على السرير تحت أشعة الشمس, نور الشمس يكشف الحقيقة مباشرة دون خداع الإنارة الصناعية السخيفة, أتحسس جسدك بحثاً عن أي عيب محتمل كانتباج في البطن أو شعرة تحت الإبط, أكره القبح أكثر من أي شيء آخر, أمضيت الليل بأكمله أثرثر معك حول ملايين الأمور السخيفة كنور القمر الشاعري, ظننتني رجلاً عاطفياً نادراً بينما لست في الواقع المؤسف سوى رجل ينتظر شروق الشمس كإعلان لوقت المضاجعة .. أتاكد في النور النقي من نقاء بشرتك وتساعدني حرارة الشمس الأولى في إطلاق بخور عرقك من تحت إبطيك, لا تقلقي سأنتهي منك حتماً قبل الغروب, لن يطول الأمر إلى هذا الحد, لن يطول.