وليمة لأعشاب البحر … شخصيات غير مكتملة و ملل رهيب دون نهاية

وليمة لأعشاب البحر وليمة لأعشاب البحر

في وقت سابق هذه السنة , نصحني أحد أصدقائي بقراءة رواية الكاتب حيدر حيدروليمة لأعشاب البحر ” باعتبارها واحدة من أهم الروايات العربية و أشهرها على الإطلاق كونها من الكتب الممنوعة في عدد من الدول العربية , و كانت كلماته بالضبط : ” إنها أجمل رواية قرأتها في حياتي …” , لتبدأ بذلك رحلة عذابي عبر صفحات الرواية التي تبدو كل لحظة و كأنها لن تنتهي أبداً .
سأعتمد على ذاكرتي في الحديث عن الرواية لأني بصراحة لا أملك صبرا ً كافيا ً لقراءتها مجددا ً , مع إصراري الشديد على الكتابة عنها كونها تعتبر نموذجا ً مثاليا ً للفن الروائي العربي بشكل عام .
تدور أحداث الرواية في الجزائر إثر ثورة المليون شهيد هناك , حول مجموعة من المدرسين العرب قصدوا البلاد لغاية نشر اللغة العربية فيها من جديد , كردّ فعل تجاه فرنسة البلاد طوال سنوات و سنوات .
لا أذكر أنني فهمت أو عرفت عم تتكلم الرواية بالضبط , فتارة يدور الحديث عن الحب بين أستاذ عراقي و صبية جزائرية , و تارة عن صديقه و مغامراته مع إحدى العاهرات , و ينقلب كل شيء فجأة إلى حديث ذكرياتٍ عن أيام الثورة في العراق , مع إصرار السيد حيدر على إتحافنا بين الحين و الآخر بخطابات سياسية جوفاء و صفحات تصل حد التنظير السياسي دونما نهاية أو غاية ترجى , لتصبح الرواية مزيجا ً من الأفكار غير المترابطة التي لا يجمعها شيء في إطار من السرد التقليدي المكرور .
أكثر ما يثير الغيظ من الرواية تحديدا ً , هي الشخصيات الواهية التي لا نشعر بواقعيتها و إمكانية وجودها طوال 376 صفحة , فهي أقرب أن تكون شخصيات مبتورة من خصائصها الإنسانية و مكوناتها الوجودية الأساسية , و تطمح أن تكون شخصياتٍ كاملة ً في روايات مشهورة , فنجد البطل يتمنى على لسانه لو كان زوربا أو شيئا ً يشبهه قليلا ً , بينما يجتر الكاتب نفسه و أفكاره و يقحمها في رؤوس شخصياته و يمسي في نهاية المطاف عاجزا ً عن خلق شخصية متكاملة قادرة على الإقناع و التواصل العاطفي مع قارئيها .
و في هذا السياق , يعالج الكاتب روايته و يمحورها حول المجتمع العربي بهمومه المتراكمة بدل التركيز على الإنسان و ما يختلج في داخله من صراعات و عواطف و أفكار في إطار قصة محبوكة و منطقية , الأمر الذي لا توفره سطور ” وليمة لأعشاب البحر ” .
من جهة أخرى , تدعي صفحات الرواية الحرية و التمرد على المجتمع الراكد , و لا أدري إن كانت تلك الحرية تعني سيل الشتائم البشعة الذي ينصب على آذاننا كل بضعة أسطر , و كأن مفهوم الحرية ينحصر بالبذاءة اللغوية التي يشيع وجودها في رواياتنا العربية القائمة على أسلوب بال ٍ يدعي نقل الحياة كما هي في الواقع , و بذلك يتستر الأدباء على ضعفهم و قلة خيالهم و إبداعهم مع وجود أعذار ضعيفة مسبقة للدفاع عن أنفسهم إذا اقتضى الأمر .
في سياق متصل , تبدو الرواية كشبح كتابات الأدباء الواقعيين في مختلف أنحاء العالم قبل حوالي قرن من زمننا , فالسرد التقليدي الممل , و الإطالة التي لا تنتهي , و اللف و الدوران حول أفكار لا قيمة لها لصفحات و صفحات دون نتيجة تذكر , ناهيك عن مستوى التعقيد اللغوي الكبير و حشر كل ما يتبادر إلى الذهن من كلمات مزعجة في سطور متتالية , و ترك كل شيء في النهاية للقارئ المنهك من محاولة اللحاق بأفكار الكاتب التي قد تكون غير موجودة على الإطلاق , كل ذلك معا ً يدفع القارئ إلى ذروة السأم و الضيق دون أن يجد بين يديه متنفسا ً يعيد لرأسه شيئا ًمن الراحة و الانتعاش .
في ضوء ما تقدم , لا تتعدى ” وليمة لأعشاب البحر ” حال الروايات العربية بشكل عام , و لم تخرج عن النطاق الأدبي المتردي المتعارف عليه , و لم ترتق إلى مستوى الأدب الحديث في العالم , إضافة لعدم تقديمها جديدا ً يذكر في نطاق الفكر الروائي , كما تختفي من سطورها بشكل كامل عناصر الخيال و التشويق و الدراما و الصراع , ما يضع القارئ أمام نشرة رسمية جافة و ليس رواية أدبية يفترض بها أساسا ً رفع مستوى ذوقه و خلق حالة من التواصل العاطفي مع الشخصيات ضمنها , لإيصال أفكار يجوز لها التراوح بين العمق الاجتماعي و السياسي وصولا ً لأبسط و أتفه الأمور في الحياة من حولنا .
” وليمة لأعشاب البحر ” رواية من تأليف الكاتب السوري ” حيدر حيدر ” , نشرت أول مرة عام 1983 , و ما تزال حتى اللحظة ممنوعة من النشر في عدد من الدول العربية دون مبرر واضح سوى ادعاء المحتجين عليها بضيق أفقهم أنها تشكل إساءة من نوع ما للدين الإسلامي , ما يعكس بجلاء الواقع المؤسف للأدب العربي و آفاقه المحدودة .

Like This!

About وليد بركسية

الكتابة هي قدري ... Writing is my destiny
هذا المنشور نشر في فقاعات أدبية وكلماته الدلالية , , , , , , , , , . حفظ الرابط الثابت.

2 Responses to وليمة لأعشاب البحر … شخصيات غير مكتملة و ملل رهيب دون نهاية

  1. الانكى من هيك أنو في منها سؤال ببرنامج من سيربح المليون

    إعجاب

رأيك يهمني ...