Café … انعكاسات الفلسفة والحياة في عالم الرموز الافتراضية

Café ... انعكاسات الفلسفة والحياة في عالم الرموز الافتراضية

Café … انعكاسات الفلسفة والحياة في عالم الرموز الافتراضية

تستمر سينما الأفلام المستقلة بإبهاري يوماً بعد يوم, بشيء من الخصوصية الفكرية والجمالية التي تنتهك بقسوة في شركات الإنتاج والإبهار البصري المجاني, ويأتي فيلم Café عام 2010 لمخرجه ومنتجه Marc Erlbaum في هذا الإطار العام, مقدماً طرحاً سينمائياً حداثياً مثيراً للاهتمام وبعيداً عن الملل والجمود.
فببساطة شديدة, يقدم Erlbaum رؤيته للعالم عبر مقهى صغير تتعدد فيه النماذج البشرية والعلاقات الإنسانية, لكن المقهى في الحقيقة ليس سوى عالم افتراضي صممته فتاة عبقرية في الثانية عشرة من عمرها (Elly), وما الشخصيات سوى رموز رقمية أو كائنات تعيش في بعد مواز إن صح التعبير.
يطرح الفيلم قصص الحياة والحب والخير والشر والجمال والعزلة والجريمة والحاجة وغيرها, عبر قصص متقاطعة لشخصيات مثيرة للاهتمام, يمكن أن نصادفها في أي مقهى عادي تأكل البسكويت وتحتسي الإكسبريسو, ويبدو المقهى نفسه مثالياً لجمع مختلف النماذج الإنسانية باعتباره حالة وسطى بين العام والخاص, حيث يبني البشر علاقات عاطفية مع أمكنتهم العامة المفضلة, ويبدو البوح الجماعي شائعاً دون وعي هناك.
من أبرز شخصيات الفيلم, العاملة الأساسية في المقهى Claire (تجسدها ببراعة النجمة المبدعة Jennifer Love Hewitt), التي يمتزج داخلها الخير والنقاء والحب, مع شيء من إنكار الذات والعلاقات المضطربة مع رجال يسيؤون معاملتها, ونراها تساعد الآخرين دون شروط غالباً (إلا في حالة استخدام الحمام للعامة) وخاصة عطفها الدائم على متشرد الحي Tommy الذي يقتلها في نهاية المطاف بناء على أوامر بائع المخدرات الذي ترفض منه Claire النقود والكلام اللطيف.
يبرز أيضاً Todd زميل Claire في العمل الذي يعشقها سراً محاولاً إيجاد فرصة مناسبة لكسر الخجل والبوح بعواطف قلبه, وأيضاً الثنائي الغريب الذي التقيا في سينما قريبة وبدءا علاقة غير متوازنة وغاية في الغرابة من ناحية الكلام والبوح الداخلي المباشر, ولا أريد أن أنسى صاحب المقهى السري الذي لا يعرف حقيقته أحد بينما هو في الحقيقة كاتب روائي متنكر بغرض رصد الشخصيات البشرية وتأليف كتاب حولها.
تعلو الرمزية العميقة في الفيلم, حيث يمثل المقهى نموذجاً مصغراً للكون, بحيث تعكس الأحداث رؤية دقيقة لمفاهيم القدر والآلهة والموت والعدالة والفرص, وتبدو مصممة العالم الرقمي Elly في علاقتها مع شخصية محددة في المقهى أقرب للآلهة التقليدية التي تتواصل مع الأنبياء والمختارين لإيصال رسائل محددة للبشر, وتبدو قدراتها خارقة وغير محدودة فيما يتوافق مع قوانين البرنامج التي سنتها سلفاً, وهي نقطة مماثلة لسنن الكون والطبيعة, ونجدها عاجزة عن إعادة Claire للحياة بعد مقتلها دون ذنب, قبل استعانتها بقوانين استثنائية تتمثل بالتضحية وهو انعكاس آخر لمفاهيم الحياة والأساطير القديمة على الفيلم.
يقدم الفيلم مفاجآت وانحرافات حادة في الشخصيات بطرق غير متوقعة, فتاجر المخدرات اللئيم يغدو رجلاً عاطفياً وربما مثالياً عندما تخبره صديقته بحملها, والكاتب يتخلى عن حذره عندما يقع في الحب (الإعجاب على الأقل), دون أن يؤثر ذلك سلبياً على واقعيتهم كبشر أصحاب كينونة لا تنفصل, ودون إساءة لجوهرهم العام.
من جهة أخرى, تتألق النجمة Jennifer Love Hewitt في دور Claire بمزيج من الحساسية المرهفة والقوة في الأداء, مقدمة توازناً خارقاً على صعيد الفعل ورد الفعل, ورغم محدودية المكان كانت تتحرك بكفاءة عالية كنادلة وعاملة مقهى صغير, ما أبعدها عن الجمود والملل بشكل كبير, وهو حال بقية الممثلين في الفيلم (معظمهم من المغمورين) كـ: Daniel Eric Gold و Jamie Kenned.
المؤثرات البصرية قليلة نوعاً ما لكن الفاصل البسيط لحركة الفراشات على ورق جدران المقهى أكثر من كافية لكسر الجمود, أما اللقطات القريبة جداً فتكشف بواطن الشخصيات وبراعة الممثلين في آن واحد, ولا تشذ مسألتا الديكور والإضاءة عما سبق بل يعطي المكان بشكل عام إحساساً عاماً بالألفة والحميمية وهو نقطة قوة في تصميم الفيلم.
يطرح الفيلم أيضاً مجموعة من الأغاني التي أسهمت في إثرائه عاطفياً وجمالياً, كما أسهمت في زيادة المتعة وإثراء المشاهدة, وعلى صعيد المؤثرات الصوتية يبدو لافتاً استخدام صياح الديك كصوت مصاحب لفتح باب المقهى, وهي رمزية للتجدد الدائم واستمرارية الحياة.
Cafe فيلم مثير للاهتمام فعلاً, وعرض أول مرة في مهرجان فيلادلفيا السينمائي 2010, لكنه لم يحظ بضجة عالية لعدم تبنيه من قبل شركات التوزيع الكبرى في الولايات المتحدة والعالم, ومع ذلك يبقى تجربة تستحق التوقف عندها ولو قليلاً.

Like This!

About وليد بركسية

الكتابة هي قدري ... Writing is my destiny
هذا المنشور نشر في فقاعات سينمائية وكلماته الدلالية , , , , , , , , , . حفظ الرابط الثابت.

6 Responses to Café … انعكاسات الفلسفة والحياة في عالم الرموز الافتراضية

  1. hesham hussein كتب:

    السلام عليكم استاذ وليد انا متابع جيد لمقالاتك وكنت عايز منك طلب وهو ترجمة لفيلم cafe 2011 لانى دورت ما لاقيت ارجو الرد على وشكرا

    إعجاب

    • أهلاَ صديقي … كتير سعيد بمتابعتك لمقالاتي ^_^
      بالنسبة لترجمة الفيلم صراحة انا اشتريت الفيلم DVD وما كان في ترجمة حتى .. حضرتو من دون ترجمة .. عملت بحث عالسريع بغوغل لقيت شي يمكن مو متأكد بهدا الموقع:
      http://www.subtitleseeker.com/1436572/Caf%E9/Subtitles/
      ,وفي هون كمان :
      http://www.subtitlesearch.org/subtitle/13402236/Caf-2011/
      بس مو متأكد من انو العربية متوفرة كلغة او لأ … في انجليزي اكيد فيهن
      بصراحة انا ما بعرف استخدم الترجمات من النت … ما بعرف شو اعمل فيها بعد ما نزلها 😦 معظم الوقت بحضر الأفلام من دون ترجمة اون لاين او DVD
      بتمنى كون ساعدتك ^_^

      إعجاب

  2. hesham hussein كتب:

    شكرا ليك استاذ وليد ونت حابب اتعرف عليك واتواصل معاك فلو ممكن تعطينى اميل بس غير تويتر لانى ما بتواصل عليه ممكن تدينى سكاىبى او ياهو او فيس بوك

    إعجاب

رأيك يهمني ...